Monday, March 26, 2012

قدسية الجسد

مُحاضرة في جامعة الروح القدس–الكسليك –23 آذار 2012
الدكتورة بـاميلا شـرابيـة بَـديـن

يمكن تحديد عدة محاور للدراسة والمناقشة:
1) وجود تنوع هائل في تحديد مصطلحات الجسد والقدسية في العالم وفي لبنان.
2) تعدد مواقع السلطة في كيفية إستخدام الجسد في لبنان،
3) وجود سلوكيات ومفاهيم وممارسات رائجة أصبحت طبيعية: الجسد مسودة ومشروع لمدى الحياة (مفهوم فرداني/ مفهوم قبلي)؛ الجراحة التجميلية/ الحمية الغذائية والأعراض النفسية والجسدية
4) تناقض في الرسائل الإجتماعية الذي يؤدي إلى تناقض في تركيبة ألهوية الفردية والجماعية.
                                                    
أهمية الحوار والتعاون بين السلطات المعنية لإعتماد قواعد مشتركة وإدارة حسنة للتنوع



أنه على الرغم من وجود, دون أي شك, الكثير من الميزات النفسية والبدنية الجامعة للمخلوق البشري, هناك أختلاف في الزمان وعِـبر الثقافات في طريقة فهـم, مُعالجة, تعريف وأستخدام الجسم البشري. سوف أركز فيما يلي على ثلاثة محاور أو قضايا أساسية.

1-  قدسية الجسد: الفردانية, ألـوعي القَـبلي والكيـان

بوجه خاص في نطاق الثقافة الاستهلاكية والأهمية المُعطاة للمظهر, الموجودة في الشرق كما في الغرب, يَستحوذ المظهر المَرئي للجسم وطريقة عرضه على الإهتمام الرئيسي ويُصبح, إراديا أم لا, علامة فارقة للمركزألاجتماعي. التعبير عن أهمية المظهر الخارجي يَنَبلور من خلال كثرة التقنيات المُتَبعة  لتحقيق الرفاهية والجمال. نحن نعيش في عصر يُعبِـر فيه الجمال والمركز الأجتماعي والطبقة عن الأصل العِرقي والأنتماء الجنسي. ألاهمية التي يَتسم بها ألمظهر ألخارجي تبرز أيضا من خلال القيام بتنفيذ تِـقنيات تنجح في تعديل الجسم وبدرجة فعّـالية مثل رياضة كمال الأجسام. يَعتبر البعض أن من يّمارس رياضة كمال الأجسام يُمثل بجسمه ألمفاهيم ألفردانية (مفاهيم ما بعد الحداثة) “conceptions postmodernes du corps”..الصعود ألمتنامي أذاً لممارسة رياضة كمال الأجسام هو من أعراض سلوك الفردانية الغربية للجسم الذي لم يَعُد يخضع للمراقبة وفق معايير تتجانس مع العمر, المركز الأجتماعي, الجنس وغير ذلك, بل أصبح مُصَمم كأداة مُـنتقاة بحرية و"كمشروع" لِمدى الحياة.

في مقابل ذلك, يرى Michel Maffesoli  أن الولع بالجسم يدل على قبلية في تحقيق ألمُتعة « hédonisme tribal ». برأيه, هذا الولع يمثل تعبيراً إيحائيا جماهيريا « dionysiaque » وليس, كما يجدر الظن، تعبيراً عن الفردانية: أنها العودة الى التدين البِدائي. هو يؤكد أن الأفراد يبنون, يُجمّلون ويعتنون بأجسامهم "جزئياً بسبب تَـقيُـِدهم القسري بنظرة الآخر وبنسبة ثانية من أجل أن يراهم الآخر". لقد استُـبدِلت الديانات المُعترف بها بالقبلية الجمالية حيث الصور تجمع الأفراد تحت شعار قبلي.  كما يشير إلى أنه "يوجد تعصُب في الجو" قد يَـتَـبلور من خلال الوَلع بالجسم. يُلاحَظ هذا التعصب من خلال أساليب الحياة والتقنيات المُـتبعة في العناية بالجسم وبغية الأشراق في عالمنا هذا. يبدو أن الجسم آخِـذٌ بالتديُـن وأن الأديان تجد لها جسماً. يُلمِح Philip A. Mellor   و    Chris Shilling إلى نفس الظاهرة عندما يُصرحان عن: "إنبعاث المقدّس على شكل إختبار للحواس, وعن ظاهرة محض إجتماعية" بسبب هبوط البروتستنتية.

مع أنه من السهل الأنتقال من قبلية جمالية ألى أخرى, كما يُلاحظ Maffesoli , يبقى أن إنتقاء أسلوبٍ ما يمكن أن يكون قاعدة لبناء كيان يَشعُر الأفراد من خلاله بالإنتماء الثابت. بالنسبة لأنصار هذه الحالة من التكريس للجسم, ألمهم هو الكيان, أي الجواب على السؤال "من أنا ؟" أذا ما قاربنا الاشياء من وجهة نظر ثقافية-معرفية, الديانات هي أنظمة شعائرية تسمح للأفراد بأن تحدد موقعها في المكان والمزمان. يتجه الأفراد نحو ميدانِ مُعيَن ويُقيمون حدوداً بين العالَـمين الدُنيوي والمقدس. الميدان العصري هو إلى حَدٍ كبير فسحة أجتماعية أكثر منها جغرافية ملموسة. تحديد "المشهد الداخلي" يقتضي تكوين الكيان, أي تكريس شيئاً ما أو التصرف "دينياً". يُمكن أذاً إعتبار الجسم كمركز لتَطوير عَملية تكريس الكيان. هو أذاً المركز الرمزي الذي يسمح بوضع حدود بين الدُنيوي والمُقدس.

2-   حـدود قدسية الجسد

لكن, النقاش حول حدود هذا التكريس لا يَـنتهي هنا. عندما نجد أن مراهِقـة فاقِـدة للشيهة Anorexique مُستعدة أن تموت جوعاً خوفاً من أن يزيد وزنها مائة غرام وأن تخسر معركتها في التمتُع بجسم يُقال عنه بنظرها إنه "كاملٌ/ نقيٌ/ مُكرَسٌ", يجدر بنا في هذه الحالة أن نتحدث عن حدود تكريس الجسم. عندما يتعاطى من يُمارس رياضة كمال الاجسام وباستمرار مواد مُنشِظة, وعندما يُخضِع النساء والرجال أجسامهم للمِبضَع بُغية الوصول إلى الكمال من خلال جراحة التجميل, ألخ , يُخشى أن تكون النتائج التي تترتب من جراء تكريس ألجسم سلبية.

3-   وظيفة الجسم واتخاذ القرار

تكريس الجسم يُثير أيضاً مسألة وظيفة الجسم. هل جسمنا مِلكٌ لنا ؟ سؤال تقليدي بالنسبة لرجل القانون, سؤال يَنطوي على وجود مشاكل مُخيفة. أن نَملك جسماً يعني ضمناً أن نملك الحق بالتصرف به كما نشاء. أن أضع أمكانات جسمي بتصرف رب العمل, موهبتي الرياضية في خدمة نادي, أو جمالي بين أيدي مُصور في مجال الموضة, بمثل هذه الأمور يُمكنني أن أتصرف بجسمي, وبما يستطيع تأديته. وهذا أيضاً يَقتضي أن لا يتصرف الغير بجسمي دون موافقتي. ألاستعباد أذاً غير وارد, وكذلك رأي القانون الروماني القائل أن الجسم يُمثل الكفيل للديون والضمانة للدائنين. بالمقابل, أذا لا نريد أن نرضخ لعملية سحب دم أو لقياس نسبة الكحول, فعلينا أن نواجه عاقبة تصرفنا.

كما نرى, من الواضح وجود علاقات بين القانون والجسم. علاقات تزداد في عصرنا تعقيداً. في الحقيقة لم يعد الجسم مصدراً للمداخيل فقط بما يستطيع تأديته. هو أيضا  في ذاته مصدر للمداخيل: أظهر تقدم عِلم الحياة والطب أن الجسم البشري اصبح مصدراً للكسب لما يختزنه من موارد.  من هنا، هل يمكن أن يقوم الفرد "بإدارة" جسمه بنفسه بهدف الربح المادي بما يختزنه من موارد, حتى لو عرّضَ نفسه للأنحطاط أنسانياً ؟ أو عليه أن يَرضخ لمبادِئ أخلاقية وأسـس قانونية تُـقيّـده في حقه في التمتع, حتى لو أدى ذلك إلى فتح المجال للآخر أن يغتني باستغلال الموارد البيولوجية التي يملك ؟ نجد أنفسنا هنا أمام مشاكل تتعدى التقنية التي ترفعنا إلى السلوك الأخلاقي وإلى قِـيَم في المجتمع.

أخيراً, عن موضوع إتخاذ القرار. من يقرر الحدود ؟ الجهة القضائية ؟ عالَـم الطب ؟ الأكادِميون ؟ الباحثون في أخلاقيات الطب البيولوجي ؟ ألمؤسسات الدينية ؟ في بلد مثل لبنان, حيث الأجهزة العامة كما الخاصة مَعنية. المهم وجود الحوار, وضرورة التعاون والوصول إلى التراضِ. من غير المُجدي أن تقوم في المجتمع أللبناني منافسة صِراعية بين المؤتَمنين على القيَـم والمعرفة ، بين الذين يضعون حدود لحرية التصرف بالجسم البشري والذين، بعكس ذلك ، يريدون للفرد أن يَتمكن من المبالغة في التصرف به ؛ بين حُـماة كرامة الأنسان على حساب الحرية الشخصية, ومناصري الحرية الشخصية إلى أبعد الحدود, ولكن بمفهوم مختلف لكرامة الأنسان ؛ بين الذين يعتبرون أن الجسم هو ذاته الشخص والذين يعتقدون أن الجسم يختلف عن الشخص، لِـدرجة أننا، وأذا تجرأنا, نكاد نصف المذكورين أولاً بذوي الطبيعة الواحدة (المونوفستس)  (monophysites)وثانياً بذوي الطبيعة النسطورية (nestoriens) كان المونوفستس يؤكدون وحدة الطبيعتين الإلهية والبشرية في يسوع المسيح بينما كان النسطوريون يرون فيه, من جهة كلمة الله ومن جهة أخرى الطبيعة البشرية. آن الأوان لأن تقترب مواقف الطرفين من بعضها, مع إعطاء أهمية خاصة لمجموعة الوسائل المختلفة الصادرة عن إتفاقية حماية حقوق الإنسان وكرامته (إتفاقية أوفييدو, الإعلان العالمي لأخلاقيات الطب الحيوي وحقوق الإنسان للأونسكو – (Convention d’Oviedo. Déclaration universelle sur la bioéthique et les droits de l’homme de l’UNESCO)

PRESS CLIPINGS:



 


2 comments:

Anonymous said...

هذه المحاضرة تختلف عن ما نسمع عندما يحكى بهذا الموضوع وخاصةً عندما يركز على جسد المرأة والممنوعات

voyance said...

D'après cet article, le corps doit être respecté.Il faut le respecter et lui donner un majeur respect.